عن القرية

بين الطين والنور.. تونس الفيوم تكتب قصتها بالفخار

تونس الفيوم

بقلم: السيد عبدالله.

ورأيت نصب الجميل مسجدا … فسكنته وتركت دار المدن.

على الضفة الشمالية لبحيرة قارون، حيث ينساب الضوء فوق صفحة المياه الهادئة، وتتمايل الأشجار على نغمات النسيم، تقع قرية تونس بمحافظة الفيوم، في مشهد يكاد يكون لوحة تشكيلية رسمتها الطبيعة، وأكمل ملامحها الفن.

قرية تونس ليست مجرد قرية ريفية هادئة، بل تعد نموذجا فريدا لما يمكن أن تصنعه الثقافة حين تزرع في أرض خصبة بالبساطة والانتماء، لقد تحولت هذه القرية الصغيرة إلى مركز مزدهر للفنون والحرف اليدوية، ووجهة سياحية تستقطب الزوار من داخل مصر وخارجها، دون أن تتخلى عن طابعها الأصيل.

بدأت قصة النهضة في قرية تونس مع الفنانة السويسرية إيفلين بوريه، التي استقرت فيها منذ سبعينيات القرن الماضي، وأسست مدرسة لتعليم فنون الخزف للأطفال، ومن تلك المبادرة البسيطة، انطلقت حركة فنية تحولت إلى صناعة حقيقية، باتت تشكل عصبًا اقتصاديا وثقافيا للقرية.

يعمل العديد من أبناء القرية اليوم في إنتاج الخزف والفخار والمنتجات الفنية اليدوية، ليس فقط بوصفها حرفة، بل كموروث ثقافي يرتبط بهوية المكان، وتُعرض هذه الأعمال خلال مهرجان الخزف والفخار الذي ينظم سنويا، ويعد منصة للترويج للسياحة الثقافية والحرفية.

ما يميز قرية تونس حقا هو قدرتها على المواءمة بين الأصالة والمعاصرة، فبيوتها الطينية البسيطة تحتفظ بجمالها الريفي، بينما تنفتح على العالم من خلال الورش الفنية والأنشطة السياحية البيئية، مثل الإقامة في البيوت الريفية، وركوب الخيل، ومراقبة الطيور، والتجوال في الطبيعة.

رغم كل هذا التميز، لا تزال القرية بحاجة إلى دعم مؤسسي يعزز من استقرارها التنموي؛ بدءا من تحسين البنية التحتية، وتوفير خدمات سياحية متكاملة، وصولا إلى حماية طابعها المعماري من أي امتداد عمراني عشوائي قد يهدد هويتها.قرية تونس ليست استثناء، بل مثالا يحتذى به في كيفية الاستثمار في الفن والتراث والبيئة لتطوير المجتمعات المحلية.

إنها قصة نجاح تؤكد أن الريف المصري يمتلك من المقومات ما يؤهله للعب دور ريادي في التنمية السياحية والثقافية إذا ما وُضعت له الرؤية الصحيحة.

وفي زمن تتشابه فيه المدن وتغيب فيه الخصوصية، تظل قرية تونس أيقونة للجمال الريفي، حيث لا يزال للفن مكان، وللطين قيمة، وللأصالة صوت يسمعه الزائر في كل ركن من أركانها.

اقرا أيضا: قرية تونس بالفيوم… تحفة فنية في قلب مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى