الفنون التشكيلية

تعرف على أهم فنان تشكيلي في مصر

كتب: محمد جمال
محمد السيد عبله فنان تشكيلي مصري، ولد في ٢٧ سبتمبر ١٩٥٣ في مدينة بلقاس بدلتا النيل بالمنصورة, التي قضي طفولته بها، حصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم تصوير من جامعة الإسكندرية عام 1977 ثم دبلوم كلية الفنون الجميلةعام ١٩٧٨.

بعد حصوله على البكالوريوس انتقل إلى أوروبا ودرس النحت والطباعة في مدينتي ڤيينا وزيورخ، ثم تولى منصب مدير قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية لمدة ستة أشهر عام ١٩٩٠ و كان رئيس مجلس إدارة «أتيليه القاهرة» عام ٢٠١٠ و هو أستاذ زائر بمدرسة أوربرو بالسويد.

أقيم أول معرض فردي لـ«عبلة» عام ١٩٧٩ في «هوهامن فالسرود» (ألمانيا) ومعرض آخر عام ١٩٨٩ في «إيوات في ليوفاردن» (هولندا) وفي قاعة الفنون في «أوربرو» (السويد) عام 1991 وأيضا في الأكاديمية المصرية في روما، بالإضافة إلى معارض في هافانا بينالي والمتحف البريطاني في لندن ومتحف الفن بمدينة بون

كتب الفنان محمد عبلة مقالات نقدية بمجلات عديدة مثل: مجلة الثقافة الجديدة، ومجلة إبداع، وكانت له تغطيات للمعارض والورش الإبداعية المختلفة، بالإضافة إلى مشاركته في ورش عمل للرسم والطباعة، كما شارك في ورشة الشمع حيث قدم لوحات قريبة من الشكل المعروف والأسلوب المميز لوجوه الفيوم.

صدر له كتاب يضم مختارات من أعماله بمقدمتين للشاعر جمال القصاص والناقدة الألمانية أوتى البسهاوزن يلقى الكتاب أضواء على تجربة محمد عبلة من خلال لوحاته 2010.

فى ٢٥٠ صفحة، كشف الفنان التشكيلى محمد عبلة، فى كتابه «مصر يا عبلة: سنوات التكوين»، الصادر عن دار الشروق، كيف كانت سنوات دراسته الخمس فى كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، والذى قال إن «الدراسة كانت فرصته الحقيقية للتعلم»، فوصف حياته الجامعية فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، مغتربًا فى الإسكندرية، يقول: «مواردى قليلة، والحياة قاسية، ولا مجال لأى رفاهية من أى نوع. لا مقاه ولا سينما ولا سبيل إلا الأنشطة المجانية، مثل مكتبة البلدية أو المراكز الثقافية الأجنبية، مثل المركز الثقافى السوفيتى، أو الإسبانى أو المعهد الألمانى. أشارك فى الندوات وأستمع إلى المحاضرات، بالكاد تكفينى منحة التفوق المالية على مواصلة الحياة.. كنت أصب كل طاقتى فى القراءة والرسم والبحث عما يشغل وقتى ويضيف إلىَّ تجارب وخبرات جديدة. أبحث عن قدوة، وصادقت من هم أكبر سنًا من الطلبة، كنت أفتقد كثيرًا لمن أتحاور معه، وأشاركه ما يدور فى رأسى من أفكار».

أشار «عبلة» إلى دور أكبر فنانى الإسكندرية فى حياته، وهو الفنان «سيف وانلى»، أول يد ساعدته ليقف أمام رياح الحياة، يحكى عبلة كيف طرق بابه دون أن يعرفه، وكيف ساعده «وانلى» دون مقابل، وكيف كان واقعًا بين براثن الحيرة واليأس، وكيف انتهى الأمر بتحقيق حلم كان بعيدًا، فصار حقيقة انطلق على إثرها إلى كلية الفنون الجميلة، يدور فى متحفها، يتأمل بحواسه مقتنياته المتنوعة بانبهار، يقف أمام أعمال فنانين عظماء، ضربت ريشتهم بقوة، فتركت أثرًا ولغة وفنًا.

يرصد المؤلف دور الفنان أحمد عثمان ودراسته للنحت وإنشاءه لمتحف الكلية وتبنيه دعوة تأسيس كلية الفنون، يقول: «أدركت أن أحمد عثمان لم يكن مجرد فنان كبير أو أستاذ عظيم، لكنه أنجز عملا وطنيًا مهمًا، فهو صاحب فكرة نقل معبد أبو سمبل وإنقاذه بالطريقة التى تم بها فى ذلك الوقت، ولكنهم أنكروا حقه، مما سبب له كثيرًا من الألم إلى أن مات فى عام ١٩٧٠ بعد تعرضه لحادث أليم بالإسكندرية».

يتحدث محمد عبلة عن أساتذة الكلية وأصدقاء الدراسة ورفاق الحياة، وفنانين تقاطعت طرقهم معه، وآخرين تصادف بهم لكنهم أثروا به فترجم ذلك فى لوحاته، كما أشار إلى العديد من الفنانين وكيف تقابل معهم، ووصف كيف كانت أعمالهم، وكيف كانت لوحاتهم تتحدث عن فنهم، منهم الفنان منير فهيم، الذى وصفه بأنه «يصرف ببذخ شديد، وفى أحيان أخرى يبحث عن ثمن السجائر، لكن أعماله كانت مطلوبة، وله معجبون، فهو من أقوى رسامى البورتريه»، وقال عنه: «وجدته فنانًا حقيقيًا، يرسم ويحب، يعذبه الفن كما يعذبه الحب، كما كان أيضًا مثقفًا كبيرًا، يجتمع الأصدقاء حوله فى الصيف كأنهم داخل صالون ثقافى وأدبى، يأتى إليه صحافيو القاهرة ومثقفوها».

ومن أساتذته، يقول عن فاطمة العرارجى: «أكثر ما تعلمته من أساتذتى، هو حب الفن المصرى القديم، وكثيرًا ما كانت أستاذتى فاطمة العرارجى تحدثنا عن جماليات الفن، وذكريات عن مرسم الأقصر بعد تخرجها. ساعتها، استقر فى خيالى أننى سوف أجد نفسى فى الأقصر، فلأذهب إلى هناك، وستكون الأقصر محور مشروع تخرجى».

يحكى «عبلة» عن نفسه بأسلوب أدبى لا يخلو من فكاهة، ببساطة يكشف عن حياة مليئة بالتحدى، يتنقل فى رحلته من محافظته فى الدقهلية، إلى أركان كلية الفنون الجميلة، وأزقة وشوارع الإسكندرية، وتغربه فى القاهرة، ومغامرته فى الأقصر، وتمضيته للجيش وتحمل مشاقه، وسفره إلى بغداد، وزيارته لأهله فى ميت غمر، حتى استعداده للسفر إلى إسبانيا.

لم يغفل «عبلة» أن يحكى عن أول معرض له، فى المركز الثقافى الإسبانى، حين عرضت كل أعماله لأول مرة فى مكان واحد، يقول: «أشعر بأنها جزء منى، تفوح منها رائحة المجهود والتعب والسفر، وأنها تشبهنى، جاءت إلى هنا بعد تعب ومجهود وإدارة تناقضات كثيرة، كما أنها حملت قلقى وصراعاتى، لكل شخص مرسوم فيها حكاية معى»، كما حكى، كيف تذوق الموسيقى الكلاسيك، يقول: «وجدت عالمًا جديدًا لا أعرفه. مع الوقت بدأت فى تكوين مجموعة للتذوق الموسيقى بصحبة بعض الزملاء وانشغلنا بالبحث عن مكان ليكون مقرًا لجمعية الموسيقى».

يعد كتاب «مصر يا عبلة»، رحلة مع شخصيات عدة، رموز ثقافية وفنية، على الأصعدة كافة، فأشار فى كتابه إلى الفنان كامل مصطفى، والفنان حامد عويس، والفنان إسماعيل دياب، وأستاذ الخط العربى خضير البورسعيدى، الذى وصف حياته بـ«قصة كفاح ونجاح كبيرة»، والفنان حسين بيكار، والذى قال عنه «شخصية أسطورية، لم أتخيل أن أكون فى حضرته، أقف أمام بابه شابًا فى الخامسة والعشرين من عمره، أجلس مع بيكار فى بيته، وسط لوحاته، وهو يعزف لى على البوزق. كنت أراقب أصابعه وأنا أستمع وكأنى فى عالم آخر».

كتب «عبلة» عن أصدقائه وأولياء الفن، منهم سعيد الصدر وشادى عبدالسلام. كان صادقًا وبسيطًا فجاءت سيرته الذاتية ثرية وعفوية، كشف خلالها كيف كان وكيف أصبح، من طفل يمسك قلمًا ويرسم شخبطات، ثم فنان يرى كل ما هو أمامه وكأنه لوحات، تعلم – حسب قوله- أن الفن يجب أن يكون فى خدمة الناس، ومن الضرورة أن يتعايش الفنان مع الوحدة والعزلة، وأن يصغى لرنينه الداخلي
الفنان حاصل على وسام جوته الألماني عام 2022، كأول فنان تشكيلي مصري وعربي يحصل على هذا الوسام، أقام عددا كبيرا من المعارض الفنية المحلية والعالمية سواء المعارض الخاصة أو الجماعية، وشغل منصب مدير قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية سنة 1990، شارك فى العديد من المعرض الدولية منها بينالى الشارقة عام 1993، بينالى الجرافيك فى فنلندا عام 1993، ترينالى جرنيش بسويسرا عام 1993، معرض جمعية الجرافيك الدولية EXILON عام 1993، ترينإلى سابورو اليابان، وبينالى الكويت عام 1994، بينالى القاهرة الدولى السادس عام 1996، بينالى الإسكندرية لدول البحر المتوسط الدورة (19) عام 1997، ترينالى مصر الدولى الثالث لفن الجرافيك عام 2000، ومعرض طلائع الفن المصرى المعاصر فى الأرجنتين تحت عنوان مختارات من أعمال أربعة فنانين سنة 2001، كما شارك فى بينالى هافانا الدولى عام 2003.

هكذا كانت مسيرة الفنان التشكيلى الكبير محمد عبلة، الذى حمل لقب «فنان» صغيرًا، مرورًا بسنوات دراسته وحتى الآن، تحمل سيرته الذاتية رحلة مليئة بالكفاح والمثابرة والتحدى، كما تحمل أيضًا رحلة غنية بالأمل والمعرفة والعمل، ترك الكلية الحربية مجيبًا لنداء الفن، شد رحاله إلى الإسكندرية، حاملًا أوراقه وأحلامه، يدور بها، بعقل منشغل بالغد، وقلب مضطرب، بموارد قليلة، ومستقبل غامض، لكنه نجح فى شق طريقه نحو ما يحب، حفر لنفسه نفقًا حتى رأى ضوء الفن، لم ينشغل بالحياة القاسية، فكل صباح تشرق فيه الشمس، كان يحمل لـ«عبلة» بابًا جديدًا من التعلم والمشاهد الجمالية التى تنتظرها فرشاته.

شاهد أيضا: متحف الكاريكاتير بالفيوم

mohamed khalaf

محرر مخرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى